فارسي
english
لماذا أكتب عن المصريين

قُدّمت لي دعوات كثيرة في الصحف، في دول عدة، فلم أجب إلا أحبتي المصرين؛ فكم لمصر وأهلها من فضائل ومزايا .. وكم لها من تاريخ عظيم في الإسلام منذ أن وطئتها أقدام الأنبياء الطاهرين .. ومشت عليها أقدام المرسلين المكرمين والصحابة المجاهدين .

قال ضياء الدين بن الأثير في وصف مصر: ولقد شاهدت منها بلداً يشهد بفضله على البلاد، ووجدته هو المصر وما عداه فهو السواد، فما رآه راء إلا ملأ عينه وصدره، ولا وصفه واصف إلا علم أنه لم يقدره قدره. وبه من عجائب الآثار ما لا يضبطها العيان، فضلاً عن الإخبار، من ذلك الهرمان اللذان هرم الدهر وهما لا يهرمان، قد اختص كل منهما بعظم البناء، وسعة الفناء، وبلغ من الارتفاع غاية لا يبلغها الطير على بعد تحليقه، ولا يدركها الطرف على مدة تحديقه؛ فإذا أضرم برأسه قبس ظنه المتأمل نجماً، وإذا استدار عليه قوس السماء كان له سهماً.

فمما ميز الله بها مصر أن مارية سرية رسول الله عليه الصلاة والسلام وأم ولده إبراهيم هي مصر, ولهذا قال عبد الله ابن عمر بن العاص رضي الله تعالى عنهما : قبط مصر هم أخوال قريش مرتين , وقال النبي صلى الله عليه وسلم (( إنكم ستفتحون مصرا فأحسنوا إلى أهلها فإن لهم ذمة ورحما )) رواه مسلم

وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم مصر وأهلها، بل أمر بالإحسان حتى إلى أقباطها، فقال عليه الصلاة والسلام، وكانت وصية من وصاياه عند وفاته ( الله الله في قبط مصر فإنكم ستظهرون عليهم ويكونون عليكم عدة وعون في سبيل الله ) رواه الطبراني وصححه الألباني .

وقد خص الله مصر دون غيرها من البلدان، وكرر ذكرها، وأبان فضلها في آيات من القرآن العظيم، تنبئ عن مصر وأحوالها، وأحوال الأنبياء بها، والأمم الخالية والملوك الماضية، والآيات البينات، يشهد لها بذلك القرآن، وقد ذكر الله جل وعلا اسمها صريحا في أربعة مواضع في كتابه , تشريفا لها وتكريما فقال الله جل وعلا (( وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ )) [يوسف:21] .

وقال سبحانه (( ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ))[ يوسف:99]

وقال جل وعلا (( وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا ))(يونس:87).

وقال تعالى قاص عن فرعون لما قال (( أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ )) (الزخرف:51) .

وأشار الله تعالى إلى مصر ولم يصرح باسمها في 30 موضعا في القرآن كما ذكر ذلك السيوطي في كتابه حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة.

وإن مما خصه الله في مصر أن جعل فيها الوادي المقدس طوى , وفيها الجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام , وفيها الجبل الذي تجلى الله سبحانه إليه فانهد الجبل دكا.

وفي أرضها يجري نهر النيل المبارك الذي ينبع من أصله من الجنة فقال عليه صلى اله عليه وسلم : ((النيل وسيحان وجيحان والفرات من انهار الجنة)) رواه مسلم

وعلى أرضها ضرب موسى عليه السلام بعصاه فانفلق الحجر له ماءا وانشق البحر فكان كل فرق كالطود العظيم.

وعلى أرضها سكنها بعد فتحها جماعة من صحابة رسول الله صل الله عليه وسلم، ولقد أحصي عدد الصحابة الذين دخلوا مصر وسكنوا فيها أو زاروها أو حكموها أو دفنوا فيها أكثر من ثلاثمائة وخمسين صحابيا.

أما أهلها فيكفيهم شرفا وفخرا أن الله تعالى اختار منهم الأنبياء وجعلهم يسكنون بين ظهرانيهم.

ولهذا فأهل  مصر هم من ألين الناس تعاملا وأحسنهم أخلاقا وأدبا ، ولهذا قال العلماء : [ من أقام في مصر سنة واحدة وجد في أخلاقه رقة وحسنا ]

وأما نساء مصر فيكفيهن  فخرا , وعزا ,وشرفا أن سيد الأنبياء محمد -صل الله عليه وسلم -كانت جدته هاجر , وأم ولده مارية ، وأم موسى عليه السلام ، وآسيا امرأة فرعون مصرية، وكانت ماشطة لبنت فرعون وكلهن مصريات عظيمات الشأن جليلات القدر يضرب بهن المثل.

وأما معالم مصر ففيها رباط الإسكندرية الذي رابط فيه العلماء، وفيها جامع عمر بن العاص صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو أول جامع بني في قارة إفريقيا ، وفيها جامع الأزهر الذي له العلم المنثور، والفضل المشهور على بقاع الأرض وأطرافها.

ومما قال بعض الشعراء في وصف مصر:

مصر ومصر شأنها عجيب ... ونيلها يجري به الجنوب

وقال الشيخ صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي:

لم لا أهيم بمصرٍ ... وأرتضيها وأعشق

وما ترى العين أحلى ... من مائها إن تملق

وللقاضي شهاب الدين أحمد بن فضل الله العمري:

ما مثل مصرٍفي زمان ربيعها ... لصفاء ماءٍ واعتدال نسيم

أقسمت ما تحوي البلاد نظيرها ... لما نظرت إلى جمال وسيم

فمصر بلاد العلماء .. وقبلة الطلاب .. ومرتع الزهاد والعباد .. ومنبع الفضلاء .. ومنزل الشعراء .. وبيت الأدباء.. ورباط المجاهدين .. ومقبرة المعتدين .. فهي للإسلام عزا .. وأهلها له مجدا.