كأني أراه في طرقات الأندلس عالماً عادياً لا يحضر بين يده إلا عدد محدود ، لم يعرفوا قدره ، ولم ينزلوه منزلته ،

وكان صاحبه يتعرض للأذى في بلده ، وصاحبهم الثالث في بلده يكتب فلا يلتفت إليه أحد ..

حتى كانت نقطة التحول في حياتهم مصر ..

نعم ..

مصر اشتهرت من قديم الزمان بحفاوتها بالطارئين عليها .. وتفاعلها مع المقبلين إليها ..

الغرباء فيها يُكرمون .. والموهوبون يُشجعون ..

بلدة تصنعُ العلماء .. وترفع الأولياء ..

جاءها الشافعي من العراق .. فبرز وألف وصنّف ..

وجاءها القرطبي من الأندلس فصار إمام التفسير ..

وجاءها رشيد رضا من طرابلس لبنان فأنشأ مجلة المنار ..

وجاءها محب الدين الخطيب من الشام فأنشأ مجلة الفتح ..

وجاءها علي با كثير من إندونيسيا فصار الروائي والأديب ..

وجاءها الخضر حسين من تونس فصار شيخ الأزهر ..

وجاءها صلاح الدين من تكريت العراق .. فخرج منها فاتحاً لفلسطين ..

وأُخرج العز بن عبد السلام من الشام فجاء مصر فجعله أهلها سلطان العلماء ..

إنها مصر ..

أزور اليوم جامعاتها ، وأدلف إلى مكتباتها ، فأرى الهندي طالباً ، والإندونيسي باحثاً ، والأفغاني مستفيداً ، والخليجي دارساً ، والأمريكي والأوروبي والصيني ، كلُ يضرب فيها بسهم ، والعجب أنها تحتويهم جميعاً .. نعم .. ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ..